ما تنقله وسائل إعلام بين الحين والآخر حول إقليم كوردستان العراق، لا يزيد عن مجموعة أخبار تركز دائما على الخلافات السياسية مع بغداد، والأوضاع الأمنية المتأثرة بما يدور إقليميا، والانتخابات التي تنتقل بالعملية السياسية ببطء جراء تقاسمات غير معترفة كثيرا بنتائج التصويت، وأسوأ ما يثار وسط هذه الأخبار هو تصوير الكورد كدعاة انفصال أو أقلية، في جمهورية اتحادية ذات حكم فيدرالي منذ دستور العام ٢٠٠٥.
أقول هذا؛ بينما أتأمل تقريرا ببيانات مشاريع الكابينة التاسعة لحكومة إقليم كوردستان أصدرته دائرة الإعلام والمعلومات، يسعد مطالعوه بما حققه الإقليم من إنجازات، في البنية التحتية للطرق والشوارع، والكهرباء؛ مشروع روناكي، والأمن المائي، وإصلاح النظام المالي ومشروع حسابي، والبنية التحتية الرقمية، والأمن الغذائي والصناعي، وأيضا تصدير المنتجات الزراعية للإقليم إلى الأسواق الخارجية.
الإنجازات على المستوى التنموي تعني انعكاسات إيجابية لها على حياة المواطنين، ومعهم النازحين واللاجئين، والسائحين، وأيضا الباحثين عن فرص عمل أو استثمار في بيئة مواتية لذلك، خاصة وأن التشريعات الضامنة للاستثمار الوافد تقدم تسهيلات كبيرة دون تعقيدات، تعرف معها حرية انتقال واستقرار رأس المال، وحماية العمالة من أنظمة تبعية معروفة في الخليج العربي وأولها الكفيل، حيث يتمتع العامل والمستثمر على السواء بفرص غير عادية في التملك والاستقرار وحق الانتفاع بالأرض المراد الاستثمار في نشاطها لسنوات طويلة.
هذا المناخ؛ يحتاج تقوية البنية التحتية للطرق والجسور، ودعم القطاعات التجارية والصناعية، وتسهيل النقل للمواطنين، ومواكبة الأحداث المستقبلية، وربط المدن والبلدات والقرى ببعضها البعض، وهو ما نفذته الكابينة التاسعة تحت إدارة دولة رئيس الوزراء مسرور بارزاني، وهو شخصية متزنة تنتمي لعائلة ديمقراطية قادت النضال الكوردي منذ ما يقرب من ٨٠ سنة، فمرجعية الإقليم ورئيس أكبر أحزابه وهو الديمقراطي الكوردستاني، الزعيم مسعود بارزاني، صاحب أهم مبادئ سياسية في مجتمع باحث عن الحرية، وقد باشر عملية الحرب بنفسه ضد تنظيم داعش الإرهابي قبل سنوات، ورئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني هو أيضا صاحب رؤية ثاقبة تضمن معها مكونات الإقليم وأولها المكون الكوردي حماية وأمنا، وقدرة على اتخاذ القرار وحنكة التعامل مع الأزمات، والمخاطر أيضا.
التقرير يضم أرقاما هامة وكبيرة يقدرها أبناء كوردستان ذاتهم قبل أي أناس آخرين، وذلك على الرغم من تعاظم المسؤوليات والتحديات أمام الحكومة، ومنها الأمنية، والصحية كوباء كورونا، أضف إلى ذلك ضعف حصة الإقليم في الميزانية العامة الاتحادية والتي تصل ١٦ ٪ على الأكثر، بينما يزيد عدد سكان الإقليم عن ستة ملايين مواطن، أضف إليهم النازحين و اللاجئين، وأخيرا الفلسطينيين الذين وجدوا الأمن في كردستان، وقدمت لهم مؤسسة البارزاني كل الدعم والحماية الاجتماعية.
تؤمن حكومة كردستان لكافة المتواجدين داخل الإقليم احتياجاتهم من المياه والكهرباء، وتضمن لهم حركة تجارة داخلية ومع دول الجوار تزيد من الدخل العام والفردي و المؤسسي، يستطيعون به سد احتياجات عوائلهم متى منعت عنهم حكومة بغداد مستحقاتهم المالية الدستورية ورواتب الموظفين و المتقاعدين منهم، كما تجعل من ثقة الجميع في نظام مصرفي متطور سببا في تأكيد فرص الاستثمار الناجح المحدود وغير المحدود، كما جعلت من النظام الإلكتروني لتسجيل الشركات والمؤسسات التجارية عبر بوابة إلكترونية مخصصة لتسجيل الأسماء التجارية والمهن الخاصة بالشركات والمنشآت في إقليم كوردستان، علامة على سهولة دخول السوق الداخلي لكوردستان.
و لتدعيم تواصل المواطنين مع الحكومة، جرى استحداث نظام “الشكاوى” للتواصل مع المواطنين عبر منصة إلكترونية تهدف إلى استقبال آراء وملاحظات ومقترحات الكافة، لتعزيز التفاعل بين الحكومة والمجتمع، بجانب نظام شامل لإدارة النفقات العامة لجميع مؤسسات حكومة الإقليم بشكل رقمي ومنظم، ونظام رقمي لإدارة جدول الرواتب
يهدف إلى رقمنة عمليات إعداد وصرف رواتب موظفي الحكومة، من خلال إنشاء آلية إلكترونية دقيقة ومتكاملة لتسليم الرواتب، وربط وزارة المالية وخزينة إقليم كردستان لصرف رواتب الموظفين والمتقاعدين في الإقليم، مع إقامة بُنية تحتية مركزية مخصصة لتجميع وتقديم الخدمات الرقمية الحكومية بشكل موحد وآمن، ورقمنة نماذج المعاملات الرسمية المختلفة، لتسهيل التقديم والمعالجة إلكترونيا، وتعزيز المركزية الرقمية.
ارتفعت نسبة تصدير المنتجات الزراعية من 1.8% إلى 10%، وتم تصدير منتجات إقليم كوردستان مثل: الأرز، السماق، الراشي (الطحينية)، الرمان، العسل، التفاح، الفطر والبطاطا إلى دولة الإمارات وأسواق كندا وأوروبا. وفي عهد الكابينة الجديدة، تم إصدار 1650 رخصة عمل للمعامل، ليصل عدد المعامل في إقليم كوردستان إلى 4743 معملًا، مع تصدير المنتجات الزراعية المحلية إلى الأسواق الخارجية وتهيئة الأرضية وتوفير الأسواق المناسبة لمنتجات الفلاحين في الأسواق العالمية.
قول فصل؛ في قراءة هذا التقرير الهام، وهو وجود حكومة إقليم قوية ذكية في بلد اتحادي فيدرالي، تدعم جهودها استقرار المواطنين، وتضيف قوة حقيقية لاستقرار ووحدة العراق كله، ما يعني ضرورة تجاوز بغداد أية خلافات مع أربيل، وإجهاض محاولات تأخير حلول دستورية لكل القضايا الخلافية، فما يمكن أن ينفع أهل كوردستان يفيد مكونات العراق كله بالتأكيد، ولا منفعة حقيقية تعود على أي قوى سياسية واعية جراء عرقلة هذا التقدم الحادث في واحة السلام والتآخي والتنمية.. كوردستان.