بقلم – حاتم سلامة
“كل واحد يلزم داره، الإفتاء للأزهر الشريف بقيادة مولانا الأجل الامام الأكبر الدكتور أحمد الطيب حفظه الله ورعاه وايده بمدده”
كان هذا كلام صديقي الذي أحبه وأقدره ولكني أختلف معه شكلا وموضوعًا، لأن هذا القرار بهذا التعسف جار على حق إسلامي وقيمة دينية تتعلق بعلماء أجلاء لم يتعلموا في أروقة الأزهر، وإنما قدر لهم أن يتشربوا العلم من معين آخر ومدارس مغايرة، لأن العلم ليس حكرا على الأزهر ورجاله وحدهم، وإنما هو فتح يمنحه الله لمن يشاء ويدعوا إليه كل الناس، ولم يخصص لهم الازهر فقط كقبلة للعلم الشرعي، ولا يقبل منهم أن يتوجهوا لأي قبلة أخرى غيره.!
هذا المنحى وهذا التصور يجب أن يدركه كثير من الناظرين والحاكمين على الأمور، وإني أرى إن كل أزهري يتحمس للقرار بهذه الصورة التعسفية، إنما تطغى عليه روح التعصب المقيت، الذي يعميه عن الرؤية السليمة، فقد رأينا رجالا كبارا نالوا من العلم ما لم ينله علماء الأزهر، وشهد لهم القاصي والداني والعدو قبل الصديق، بالتميز والتفرد في العلم أو التخصص في جانب من جوانبه، حتي وجدنا الأزهر نفسه بجلاله ومقام شيخه ينعون بعضهم حال رحيلهم، ويشيدون بعلمهم وآثارهم.
المتعصبون والطرقيون وأصحاب الأيديولوجيات وحدهم هم الأسعد بهذا القرار، لأنه يخدم مساراتهم الفكرية ويروج لمذاهبهم، حينما تخرس أصوات المنتقدين لهم من المخالفين لأفهامهم، وحينما بات لهم السيطرة القابضة على مفاصل الأزهر وصاروا قادته وزعماءه.
ومن ثم لن يجدوا على الساحة غيرهم، لنشر أفكارهم.
لقد كان من أكبر وأشد الحجج وراء القانون الأخير، هو منع فوضى الإفتاء والتخبط والهوي الذي اتبعه كثير من الفوضويين المستهترين من أصحاب الزيغ والأهواء، وأنا لا أخالف القانون، بل علي العكس، أنا أؤيده تماما وأدعمه وأنادي به، ولكن وفق آليات وطرق متبعة، تضمن حقوق المذاهب والطرق، ولا تجور على حقوق الأئمة والدعاة في كل طريقة ومذهب، متبع معترف به.
نحن اليوم لدينا سلفيون لا يوجد أغلبهم أو لم يتعلموا في صحن الأزهر الشريف، فما ذنبهم أن يحرموا من الفتوى ولديهم قطاع عريض كبير في مصر يتبعهم ويمشي وراء علمائهم؟
لدينا صوفيون احتلوا منابر الأزهر وأرفع المناصب الدينية، ويلعنون قمع مخالفيهم، ليكونوا وحدهم الناطقين باسم الدين، ويريدون لفتاويهم أن تكون سيفا على الجميع حتى من لم يتبع مذهبهم أو يرضى بمسالكهم.!
ثم إن الأزهر نفسه يلام على هذا حينما درّس كل المذاهب ولم يدرس المذهب الحنبلي ويكون له فيه اعتباره الملموس ورجاله الدارسين، حتى نأتي اليوم وقد مثله علماء من غير الأزهر ثم نمنعهم من الفتوى.!!
وهنا أقترح، لماذا لا يوجد تصريح بالفتوى يمثل الاعتبارية لهذه التيارات السنية، يوجد لها الفسحة التي تمنحها أن تباشر عملها الدعوي والفقهي والتواصل مع أتباع مدارسها، حتى لا نضيق الأمور ونحتكر الدين؟!
هذا التيار وكل تيار من حقه أن يكون له من يمثله ويعبر عن هوى أصحابه في ضوء العلم الشرعي وميثاق الكتاب والسنة والاعتدال، فلماذا لا يمنح هؤلاء ترخيصا بالفتوى على غرار تصريح الخطابة الذي تمنحه وزارة الأوقاف لكثير من الأئمة غير المعينين شريطة اختبارهم والتأكد من سلامتهم الأمنية والعلمية؟!
ومن العجيب أننا نرى هنا أن القانون الأخير حينما جاء لتقنين الفتوى وسد الطريق على أصحاب الزيغ والشهرة والأهواء، نرى أحد هؤلاء العلماء المصرح لهم بالفتوى، وهو يثير كل يوم غرائب الأقوال وشواذ الأحكام والمفاهيم، ما يجعله حديث الساعة، ولا تمر فترة وجيزة من الأيام حتى يطلع علينا بمفاهيم وأراء صادمة للمألوف والسائد والمقرر من شريعتنا الدينية، ومع هذا لا يوقفه أحد أو يمنعه عن هرفه، بل نجد ما يشايعه ويصفق له ويزعم أنه علم الزمان وحجة المكان ورسول في زمن عقمت فيه السماء عن الرسل، وهو ما يجعلني كذلك أدعو لإيقاف كل من يصرح له بالفتوى إن هو زاغ عن الحق وأمعن في التشتيت وأثار مفاهيم الناس وشككهم في دينهم وأحكامهم وتراثهم.
أنا لا أطالب بحق السلفيين وحدهم وإنما أرجو أن يراعي القانون مختلف التيارات وفق ضوابط وأطر يقررها ويسير في ضوئها.