صدرت في القاهرة، عن دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع، مسرحية «معاوية الثاني» للكاتب والناقد هاني إسماعيل أبورطيبة.
المسرحية طبعت في 102 صفحة من القطع الصغير، وعنها يقول المؤلف: لماذا معاوية الثاني؟!
منذ دراستي الجامعية وأنا أسأل نفسي من معاوية الثاني الذي لا يتوقف أمامه أحد؟ من ذلك الشاب الذي ترك ملك جده هكذا بمنتهى السهولة؟
كان الأمر غريبًا عليّ كبرت، وظل معاوية الثاني يراود أفكاري، فالحكم شهوة طاغية، والسلطة شهوات لا تضاهيها أي شهوة، فكيف لرجل أن يتخلى عنها بمثل هذه السهولة، ولو كان كما أشاعوا عنه ضعيفًا فلماذا لم يستغل أحد من بني أمية ضعفه، ويثبته في الحكم ويحكم من خلاله حتى تسنح الفرصة ويستولي هو على العرش.
ويتابع: بحثت في كتب التاريخ عنه، كانت المعلومات عنه يسيرة ومتضاربة، فمن المؤرخين من يذكره بالضعف، ويسميه ” أبو ليلى ” كناية عن ضعفه ومنهم من يقول إنه تخلى عن الحكم رغبة منه في الخلاص من الدم الذي يحيط به، لكن ما لفت نظري المقولة المنسوبة له، التي لا يقولها إلا من يعي حقيقة ما يفعل، فلقد نسب له أنه قال تمنيت لو كنت أبا بكر واخترت لك مثل عمر، لكنني لست بأبي بكر، ولم أر فيك مثل عمر، ثم ترك الحكم واعتزل حتى مات بعد 40 يومًا تقريبًا.
لم أصدق كلام المؤرخين عنه، وفهمت أن تاريخ الرجل كتبه غيره، كتبه المنتصرون، والمنتصرون هنا هم الفرع المرواني من الأسرة الأموية، وكان من الطبيعي أن يطمسوا سيرة معاوية الثاني تمامًا؛ لأن وجود ذكراه ستتسبب في كثير من المشاكل لهم، فوجوده سيرته يعني المناداة برؤيته أو فكره في أن الحكم هذا غير شرعي، وأنه حكم جاء بالدم.
ويشير الكاتب: فتشت كثيرًا في كتب القدماء والمحدثين، لكنني كنت وصلت لحقيقة مهمة أن التاريخ لا يحمل كل الروايات الصادقة، وأنه موجه في كثير من أخباره، فقررت أن أكون تلك الصورة عن معاوية الثاني رضي الله عنه.
وفي عام 2017م عدت للبحث عن معاوية الثاني مرة أخرى، واهتديت إلى أن أكتب سيرة الأربعين يومًا التي قضاها من وصوله للحكم ثم تنازله ثم موته، وبدأت في كتابة المسرحية، التي انتهيت منها عام 2019 وتركتها حبيسة دفاتري.
ويؤكد الكاتب: معاوية الثاني رضي الله عنه بالنسبة لي هو فكرة إنسانية طموح، لو كانت تحققت لنجى العالم الإسلامي من تلك الانقسامات المريرة والحروب والمذهبية القميئة، فكل مشاكلنا حتى يومنا هذه كانت بسبب معاوية بن أبي سفيان، وكان معاوية الثاني هو الحل الأمثل للخلاص من فتنة الدم التي تطاردنا لعنتها حتى يومنا هذا، لكن النبيل الصادق لا مكان له في هذا العالم، فالكل عاند معاوية الثاني، الطامعون في الحكم من أهله نعتوه ” بأبي ليلى، المأبون ، والمأفون ) وقللوا من شأنه، والمعارضون لبني أمية لم يلتفتوا له أصلًا ولم يعيروا فكرى تخليه عن الحكم ونظرته أي اهتمام، وكان هذا ناتجًا عن رغبته في الوثوب على كرسي الحكم، فلم يكن هناك من يفكر في مصلحة الرعية أو المسلمين أو الناس، الكل كان يريد الحكم، ومعاوية الثاني كان عدوًا لهم؛ لأن دعوته للتخلي عن الحكم والبحث عن شبيه أبي بكر وعمر ستقتل أطماعهم؛ لذلك تغافلوا عنه. والعوام خضعوا لاستعمار الوعي من خلال أبواق الأمويين، وانشغلوا بالصراع الدموي المحتدم بين الأمويين والزبيريين، وبعد استتباب الحكم لمروان ثم عبد الملك تم محو معاوية الثاني تماما من الوجود، وكأنه الرجل لم يمر من هذا الكون.
وهنا يحضر تساؤل الكاتب مجددا: لماذا الفن المسرحي وليس الرواية؟
ويجيب : من وجهة نظري المسرحية هي أفضل الفنون تعبيرًا عن القضايا الفكرية وتصوير الأحداث بكل ما تحمل من مضامين كثيفة، كما أنها حية، تقوم على الحوار المتبادل، الذي يتمكن من التعبير عن الرؤي، وكذلك يحمل العديد من المضامين الكثيفة التي يعجز السرد عن أدائها، كما أن الرواية الآن أصبحت مستهلكة، وجذبت من يملك الفكر والموهبة ومن لا يملك حتى إجادة القراءة والكتابة.
فالمسرحية هي الأقدر من وجهة نظري على التعبير الدرامي.
لماذا معاوية الثاني الآن؟
ويلفت الكاتب إلى أن المسرحية ظلت حبيسة دفاتري، لكن في ظل الأوضاع الآن، والأحداث المتلاحقة، والتغيرات العنيفة قررت أن أنشرها، ربما لأنها تعبر عن وضعنا الحالي من زاوية ما، وشجعتني دار أم الدنيا والكاتبة الصحفية ولاء أبو ستيت، على نشرها، وكانت تلح علي في هذا الأمر، وعندما أرسلتها لها، قابلتها استقبالًا طيبًا للغاية مما حفزني وغامرت بنشرها.
ومن أجواء المسرحية:
كان معاوية الثاني يخلد للنوم، ربما كان بين النوم واليقظة، ربما كان يفكر بعقله الصاخب أثناء نومه، رأى جده في المنام، جاءه بوجه جاد.
معاوية الكبير: قم يا معاوية أهذا وقت نوم بعد أن أشعلت النيران في بني أمية؟!
معاوية الثاني: من أنت؟ أراني أعرفك؟
معاوية الكبير: أنا الذي تسعى لقتل حلمه، الذي سعى لتأسيسه منذ دخل الإسلام، ووطأت قدماه بلاد الشام.
معاوية الثاني: جدي معاوية رضي الله عنك يا جدي في مرقدك.
معاوية الكبير: تُؤرق مضجعي يا معاوية، تسعى لتخريب ملكي وطموحي، الذي غامرت بالكثير كي أصنعه.
معاوية الثاني: إني يا جدي أصحح المسار، مسار الدولة التي لا بد أن تسود، ويسود معها العدل والمساواة.
معاوية الكبير: ما هذا العبث، الذي تنطق به، أية مساواة وأي عدل تقصد؟!
معاوية الثاني: الذي جاء به الإسلام، وطبّقه الخلفاء الأُول يا جدي.
معاوية الكبير: أتراني ظالمًا؟!
معاوية الثاني: يا جدي الثورة مشتعلة في كل مكان.