أخبار عاجلة

دفاعًا عن القدس حاتم الجوهري يفكك خطاب الاستلاب للصهيونية

عن دار نشر “إضاءات” بالقاهرة وفي الذكرى الـ 75 للنكبة الفلسطينية؛ أصدر الدكتور حاتم الجوهري أستاذ النقد والدراسات الثقافية المنتدب بالجامعات المصرية، وصاحب مشروع تفعيل المركز العلمي للترجمة بوزارة الثقافة المصرية، كتابه الجديد بعنوان: “دفاعا عن القدس وهوية الذات العربية” وبعنوان فرعي حمل اسم: “نقد خطاب الاستلاب العربي للصهيونية في ظل صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية والمروجين العرب لهما”، حيث جاءت الدراسة في حوالي 470 صفحة من القطع فوق المتوسط، مشتملة على بابين كل باب يتضمن ثلاثة فصول.

حيث يقوم الجوهري بتطبيق منهج الدرس الثقافي للنسق القيمي الحامل لصفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية بوصفه سردية لمحو الرواية العربية للصراع في فلسطين المحتلة من جهة، ومن جهة أخرى تكشف الدراسة عن النسق القيمي الذي يقدمه دعاة الاستلاب للصهيونية وصفقة القرن من العرب، طارحة فرضية أن معظم من دعموا خطاب الاستلاب للصهيونية وصفقة القرن والتخلي عن مدينة القدس كانوا على ازمة وجودية مسبقة مع الذات العربية.
ويصدر الكتاب في لحظة تاريخية حرجة تسعى فيها الذات العربية لاستعادة توازنها في مواجهة صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية والعديد من المشاريع الإقليمية الأخرى المتدافعة معها، ومؤكدة الدراسة على تهافت خطاب الاستلاب الذي حاول البعض تقديمه في فترات سابقة وراهنة، خاصة مع تأكيد جامعة الدول العربية في “قمة القدس” بالقاهرة في شهر فبراير هذا العام 2023م على إنشاء آلية تمويل تطوعية –للمرة الأولى- لدعم صمود مدينة القدس، وفي ظل مواقف الإدانة الصلبة من الدولة والخارجية المصرية للممارسات الصهيونية واقتحام المسجد الأقصى في شهر رمضان هذا العام، وما تلاه من اقتحامات وانتهاكات غير مقبولة للمسجد الأقصى والبقعة المقدسة وعدوان على الأرض الفلسطينية المحتلة مستمرة حتى لحظة صدور الكتاب.
حيث يتناول الكتاب بالنقد والتحليل ما يسميه ظاهرة “الاستلاب للصهيونية والآخر” وخطابها الذي ظهر في الثقافة العربية منذ نهايات عام 2015م، بالتواكب مع حملة الترشح الأولى للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2015م، والتي صرح خلالها بأنه يجهز لـ”صفقة القرن” لحل القضية الفلسطينية ويعد بتنفيذ القرار المؤجل بنقل السفارة الأمريكية للقدس، هذا والمقصود بخطاب الاستلاب للصهيونية والآخر ذلك الخطاب الذي ظهر في الإعلام المرئي بداية مع الأكاديمي المصري يوسف زيدان؛ مروجا لخطاب التخلي عن مدينة القدس والمسجد الأقصى بمبررات شتى، وكأنه يروج أو يمهد لصفقة القرن، ثم تبعه مجموعة من المثقفين والإعلاميين المصريين والعرب في الإعلام المرئي والكتابات الصحفية وغيرها، منهم على المستوى المصري: توفيق عكاشة الإعلامي وعضو مجلس الشعب المصري سابقا، وسعد الدين إبراهيم الناشط والأكاديمي المعروف، ومراد وهبة الكاتب والمثقف المعروف، وغيرهم من مصر، وعلى المستوى العربي ظهرت أسماء مثل: سليمان الطراونة (الأردن)- نبيل فياض (سوريا)- فرحات عثمان (تونس).. وغيرهم.. واستمر هذا الخطاب حتى اللحظة الحالية في عام 2023م مع تدشين ما سمي “بيت العائلة الإبراهيمية” بالإمارات وأسماء مثل: هاني نسيرة (مصر).
ويرصد الكتاب إشكالية هذه المجموعة من المفكرين أو الباحثين أو الإعلاميين العرب التي تبنت خطاب الاستلاب بوضوح أكثر؛ حين نرى أن معظم من دعموا خطاب الاستلاب للآخر والتخلي عن مدينة القدس العربية ومقدساتها الدينية (الإسلامية والمسيحية)، كانوا يهاجمون الذات العربية في الوقت نفسه ويروجون للانسلاخ عنها والخروج عليها كلية والتخلص منها، والذات العربية هنا المقصود بها الشكل الثقافي والحضاري والإنساني والهوياتي للإنسان العربي، معتبرين أن هذه الذات غير صالحة للمستقبل ولا للتحضر ولا للتحديث! وكانوا يلصقون بالهوية العربية بكافة مستوياتها الحضارية والدينية والثقافية والإنسانية كل ما هو سلبي منفر مشوه، يبرر دعوتهم لمنح السيادة على مدينة القدس ومقدساتها للصهيونية، وقبول الاتفاقيات الإبراهيمية وصفقة القرن الأصلية مع ترامب أو المعدلة مع بايدن، وكأنهم يعتبرون أن الذات العربية لا تملك قوة ناعمة أو مخزونا حضاريا يمكنها من حكم نفسها أو التصدي للهيمنة الأمريكية والاحتلال الصهيوني.
وتكمن أهمية الدراسة في لحظتها التاريخية الراهنة في عام 2023م أنها تأتي في ظل صعود حكومة يمينية شديدة التطرف لسدة الحكم في الكيان الصهيوني “إسرائيل” برئاسة المتطرف والإرهابي بنيامين نتانياهو، تعلن هذه الحكومة المتطرفة صراحة عن نيتها ضم مدينة القدس برمتها لسلطة الاحتلال الصهيوني، ويروج بعض المنتسبين لها جهرا ومن خلف الستار لاقتحام المسجد الأقصى، والتمهيد لما يسمونه “بناء الهيكل” أو المعبد اليهودي بعد هدم “المسجد الأقصى”، لذا تهدف هذه الدراسة للتفنيد العلمي والموضوعي لكافة الادعاءات التي روج لها دعاة تيار الاستلاب للصهيونية والتخلي عن القدس، وكشف حقيقة صفقة القرن (الأصلية مع ترامب والمعدلة مع بايدن) والاتفاقيات الإبراهيمية والتصدي لهما، مع التأكيد على الحق العربي في مدينة القدس، وعدم شرعية الاحتلال الصهيوني، خاصة مع انعقاد “مؤتمر القدس” الذي عُقدت فعالياته بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة في شهر فبراير من عام 2023م، وتأكيد المؤتمر على أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب، وما خرج به من إنشاء آلية تمويل تطوعية –للمرة الأولى- في إطار الجامعة العربية لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مدينة القدس، لتواصل صمودها وسط الحصار الصهيوني المتزايد والصمت الدولي الرسمي والانشغال بقضايا أخرى تستحوذ على الرأي العام العالمي.
والمعروف أن مؤلف الكتاب حاتم الجوهري هو أستاذ جامعي منتدب قام بالتدريس في أكثر من جامعة مصرية في مرحلتي الليسانس والدراسات العليا، وهو صاحب مشروع تفعيل المركز العلمي للترجمة بوزارة الثقافة المصرية (بهيئة الكتاب)، كما أن له مؤلفات وترجمات حصلت على جوائز عدة .. فقد حصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية عن ترجمته ودراسته لكتاب “تأملات في المسألة اليهودية”، وحصل على جائزة ساويرس في النقد الأدبي عن كتابه “خرافة التقدمية في الأدب الصهيوني”، ووصل للقائمة القصيرة لجائزة المركز القومي للترجمة عن ترجمته لديوان “أغنيات البراءة والتجربة”، كما طرح حاتم الجوهري في الأعوام الأخيرة مجالا علميا جديدا باسم “الدراسات الثقافية العربية المقارنة” ومشروع “المشترك الثقافي العربي”، قدم من خلاله عدة فعاليات ومؤتمرات عربية بين مصر والسودان وتونس واليمن، وبمشاركة العديد من الأسماء العربية المهتمة بالمشروع.