أخبار عاجلة

“الوصية” للكاتبة رانيا جمال مرسي

 

اشتد نهار اليوم الأخير من أغسطس، شد محمد للموت إزاره فكان صوامًا قوامًا كل ما خشي عليه هو ابنتيه، لم يدر في خلده كيف سيعيشون من بعد ما أصيب بمرض الفشل الكلوي وتدهورت صحته تدريجيًا حتى أصبح طريح الفراش، ربما شعر باقتراب اللحظة فبعث مرسولًا مع زوجته “سلمى” إلى أخيه رأفت بضرورة المرور عليه بعد عودته من العمل، امتثل رأفت للأمر فوريًا، وأعقب دخوله غرفة أخيه المريض ضغطة من يد الأخير بينما يعض على أنامل يده الأخرى من الألم، ثم بدأ حديثه مع رأفت بتلاوة الوصايا العشر التي بدأت وانتهت بـ “البنات أمانة في رقبتك إلى يوم الدين، أرجوك لا تتخلى عنهن” ثم انطلقت روحه لبارئها مستسلمة كأنما أدت دورها على أكمل وجه، عمل “رأفت” بوصية أخيه، كرَّس مجهوده للفتاتين وعزف عن الزواج فترة من الزمن وبعد عدة سنوات تزوج من ابنة الحلال التي أنجبت له طفلين فأصبح له أربعة من الابناء وسيدتين في عهدته أحدهما زوجة أخيه المتوفي الذي رفض الزواج منها تخليدًا لمثراه، نضجت ثمار الفتاتين واشتد عود غصنهما اليافع ووصل عمر الفتاة الكبرى إلى سن التاسعة عشر فتقدم لخطبتها ابن الجيران معاقر المخدرات الذي أوقعها في مصيدة الحب اللعينة ولسذاجة الفتاة وكنوع من الضغط على عمها بالموافقة استيقظ الجميع بيوم جمعة ليجدوا قطع من ملابس الفتاة متناثرة على سلم العقار مع وريقات صغيرة كتب بكل واحدة منها جمل إعتذارية بصيغ مختلفة.

الصدمة غطَّت على ملامح الجميع، بينما ارتكن العم في الزاوية القريبة مع ملامحه التي أنهكتها الخيبة واعتراها الأسى فلم يصدق كيف هان على “بكريِّته” عَزة كما لقَّبها أن تفرِّط في “عِزتَّها وشرفها” لتوحل أسرة بأكملها في التراب، رأى شريط عمرها يمتد بطوله أمام عينيه، استاء لما أقبلت عليه وبنفس الوقت غلب عليه الاندهاش من أين واتتها تلك الجرأة، توجه تحو المطبخ بخطواته الثقيلة؛ استل سكينًا صغيرًا في الخفاء دون أن يلحظ أحد ثم خرج يقتفي أثرها ويسأل القاصي والداني مستدلًا بأوج مشاعره الثائرة وقبضته تضغط على السكين المخبأة بملابسه، هاربًا من نظرات البعض حتى قاده بعض شهود العيان لغرفة أعلى سطوح منزل قديم ليس بعيدًا عن محل سكن رأفت وعائلته، صعد درجات السلم في سرعة مريبة وباقترابه من سطح العقار تتبع الصوت الصادر من غرفة توسطت المبنى شبه المتهالك، ميَّز صوتها فاندفع وكسر الباب ليجدها عارية بين أحضان الشاب الرعديد، فطعنها في منتصف صدرها عدة طعنات وهرب الآخر كما ولدته أمه إلى الشارع ليقع في قبضة أهل الحي حتى وصول الشرطة، جَلس جوار جثتها يولول مثل الحريم وقلبه يحترق، يحاول ستر جسدها المكشوف بعدما وأد العار في مهده، كانت حالته يُرثى لها كأنما أصيب باللوثة، ظل رأفت يُردد ببلاهة وعينين زائغتين مثل المجانين” الوصية عارية تمامًا من العِفَّة” 

 

من أعمال الكاتبة رانيا جمال مرسي :